الإمام الخميني (قدس سره):

حافظوا على النهضة بسلوك واخلاق اسلامية

حافظوا على النهضة بسلوك واخلاق اسلامية

فيما يلى نص خطاب الامام الخميني(قدس سره)، خلال لقاء له مع رجال الدين والشرائح المختلفة، لابناء محافظة كرمانشاه، في 28/مرداد/1359هـ.ش، الموافق لـ : 19/ آب/1980 ، نقلاً عن موقع الامام الخميني:

 لو كانت الثورة لله، كان الله سنداً لها

(قل إنما أعظكم بواحدةٍ أن تقوموا للّه مثنى وفرادى ثم تتفكروا)

لقد قامت ثورات متعددة في العالم، وغالبية هذه الثورات كانت عبارة عن ثورة ظالم على ظالم وجائر على جائر، أي أنها لم تكن صادقة وصحيحة بمضمونها. وغالباً ما كانت تؤدي إلى وصول نظام ظالم للحكم مكان نظام ظالم آخر.

إن الآية السابقة تعد دستوراً ومنهجاً إلهياً جاء في القرآن الكريم في كيفية القيام بالثورة، حيث يخاطب الله رسوله ويطلب منه أن يخبر أمته بأن لديه موعظة واحدة لهم، وهي أن تقوموا في سبيل الله منفردين أو مجتمعين. وإن كل ثورة ليست في سبيل الله هي ثورة شيطانية. لأن أي ثورة إمّا أن تكون في سبيل الله أو في سبيل غيره. فثورة الظالم على الظالم هي ثورة طاغوتية. إن الله يأمرنا بالثورة في سبيله وعلينا أن ندرك أنه عندما يدعونا لذلك فإنه سيساندنا وسيؤيدنا في هذا الأمر. إذاً فالله معنا يؤيدنا ويمن علينا بفضائله عندما تكون ثورتنا في سبيل إزالة الظلم وإحقاق الحق وتطبيق الأحكام الإلهية ونشرها.

التأييد الإلهي في انتصار الشعب الإيراني‏

لقد رافقت مسيرة هذه الثورة المظفرة الكثير من الإمدادات الغيبية والكرامات الربانية، وهذا ما يدل على صدق الثورة في توجهاتها الإلهية. لم يتوقع إنسان في هذا العالم أن يكتب لثورتنا النصر وأن يتمكن شعب أعزل من التغلب على آلة عسكرية جبارة، ولقد أشارالمفكرون والسياسيون الإيرانيون إلى هذه النقطة مراراً مؤكدين على عدم جدوى هذه الثورة وأنها ستكلفنا الكثير من الخسائر في الأرواح دون فائدة تذكر.

طبعاً كان الحرص على المصلحة العامة هو السبب في طرح البعض لهذه المسألة ولقد جاء بعضهم إلي وقلت لهم بأننا مكلفون بفعل ذلك، وهدفنا ليس مرهوناً بالإنتصار بل علينا أداء التكليف فقط. فإن انتصرنا فيها فقد نلنا النتيجة، وإن لم يكتب لنا النصر أو قتلنا، فهناك كثير من الأنبياء والأولياء الذين ثاروا في وجه الظلم ولم يتمكنوا من الوصول إلى أهدافهم.

نحن مكلفون شرعاً بمواجهة هذا الظلم وحماية الإسلام من التحريف وواجبنا هو الوقوف في وجه البدع المستحدثة، ولا فرق هنا بين أن نكون غالبين أو لم نكن.

لقد أشار المحللون في كافة أنحاء العالم إلى استحالة إنتصار ثورتنا ولكنهم تجاهلوا جميعاً مسألة مهمة وهي أن الثورة في سبيل الله تختلف عن غيرها من الثورات. على هؤلاء أن يدركوا الفرق الشاسع بين هذين النوعين من الثورات، بين الثورة الإلهية والثورة غير الإلهية. إن الله هو الداعم والمؤيد الحقيقي للثورة في سبيله ولا جدوى للبندقية والدبابة في ثورة كهذه، ولا يمكن لقوة وسلاح ما مهما كان فتاكاً أن يواجه قدرة الله وجبروته.

لقد هب شعبنا العظيم في كافة أنحاء البلاد رافعاً راية الإسلام ملتفاً حول كلمة الله العليا من أجل القضاء على النفاق والظلم وإقامة حكومة العدل الإسلامية، فكانت بحق ثورة في سبيل الله تسابق فيها أفراد الشعب للتضحية بالمال والدم وسطروا فيها أروع ملاحم البطولة. كيف تمكن شعبنا من فعل ذلك؟ وأية أسلحة مكنته من الإنتصار؟

كان العدو يتمتع بدعم كبير من أمريكا والإتحاد السوفيتي وتأييد من غالبية الحكومات الإسلامية وبقوة عسكرية متطورة وحديثة بحيث كان القوة الأولى في المنطقة. بينما كان الله معنا مؤيداً ومسانداً وحامياً.

إعلموا أيها الإخوة إنه لولا الإمدادات الغيبية لتمكن العدو من سحق إيران في ليلة واحدة. لقد صرح الشاه قبل فراره قائلًا إنه لو إضطر للفرار فسيهدم ويخرب كل شي‏ء في هذا البلد قبل رحيله، ولكن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلوبهم الرعب والخوف وصرف أذهانهم عن إرتكاب جريمة كبرى وهي قصف طهران وبقية أنحاء البلاد بوحشية. كان العدو قادراً على فعل ذلك لما يملكه من أسلحه وعتاد ولكن الرعب والخوف الذي سكن قلوبهم جعلهم يفكرون بالفرار متخبطين. إن ما حدث اليوم هو أشبه ما يكون بما حدث في صدر الإسلام حيث كان للرعب الذي يلقيه الله في قلوب المشركين أشد الأثر في بلوغ النصر والفتح وانتصار الفئة القليلة على الفئة الكبيرة بإذن الله.

لقد رأيتم جميعاً كيف تمكنا وفي غضون سنة وبضعة أشهر من توفير جميع المستلزمات الأجواء المناسبة لإنتخاب حكومة لائقة، وقد تحقق ذلك والحمد للّه. لو أمعنا النظر في تاريخ الدول التي قامت جراء ثورات شيطانية، لوجدناها تفتقد للدستور حتى بعد مضي 20 أو 30 سنة من تاريخ إنتصار تلك الثورات، والعراق خير مثال في هذا المجال، حيث انتقل الحكم من حكومة ظالمة إلى أخرى مستبدة، ورغم مرور مدة طويلة، ورغم ما تتمتع به هذه الحكومة من قدرات كبيرة وما تمارسه من قمع شديد بحق أفراد الشعب ولكنها ما زالت تفتقد لدستور يجمع شمل البلاد ويوحدها، وها هو العراق الآن تحكمها عصابة من المستبدين وما أفظع أن تكون الحكومة مستبدة.

لم يسبق لثورة في هذا العالم، أن تتمكن خلال سنة وبضعة أشهر من تشكيل حكومة منتخبة قوية وتدوين دستور متفق عليه كما حدث في إيران بالإضافة إلى الإقتراع على الجمهورية الإسلامية وانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الخبراء ومجلس الشورى الإسلامي كما أن رئيس الوزراء في طريقه هذه الأيام لتسمية وزراء حكومته..

المحافظة على الثورة بالسلوك والأخلاق الإسلامية

يجدر بنا أن ندرك أهمية هذه الحكومة وهذه الثورة المباركة وأن كل ما نملكه هو من الله سبحانه وتعالى. إياكم أن تظنوا أننا نحن الذين انتصرنا بمفردنا فيصيبكم الغرور والكبرياء. كلا أيها الإخوة إن الله هو الذي نصرنا وسدد خطانا لأن ثورتنا هذه كانت وما تزال في سبيله سبحانه وتعالى.

علينا أن نشكر الله دائماً على هذه النعمة الكبرى وعلى هذه المعجزة العظيمة المتمثلة بخروج البلاد من إنحطاطها وتخلفها السابق إلى الوضع الإسلامي الحالي ذي الأركان والأخلاق الإسلامية. أيها الإخوة يجب أن تحافظوا على الأخلاق الإسلامية قولًا وعملًا وتسعوا لحفظ هذه الثورة والمضي بها قدماً نحو الأمام مع الإلتفات إلى أن الله تعالى معنا يساندنا ويؤيدنا.

كما ينبغي أن نحفظ تلك الإرادة الصلبة التي وصلت بنا إلى النصر لنتابع مسيرة الثورة إلى الأمام. لنحافظ على تلك القدرة الإلهية والتأييد الرباني ونمضي في هذه الثورة قدماً فالله معنا.

أسأل الله أن يمن عليكم بالسعادة والسلامة وخاصة أنتم أيها المرابطون على المناطق الحدودية. كما أشكر جميع علماء محافظة كرمانشاه وخاصة السيد الكبير الأصفهاني  وسائر السادة العلماء الذين قدموا من هناك وتحملوا المشاق. أشكركم جميعاً حيث أنتم ونحن إخوة، وكلنا يريد أن يمضي بهذه الثورة قدماً إلى الأمام بالإخوة، واسأل الله تبارك وتعالى السلامة لكم جميعاً.

صحيفة الامام الخميني، ج13، ص 109 -112